يشهد المغرب، خلال السنة الجارية، شُحّا غير مسبوق في التساقطات المطرية؛ ما أدّى إلى انخفاض كبير في حقينة السدود وصل إلى مستوى لم يُسجّل منذ ثلاثين سنة، ما يُنذر بأزمة عطش تهدد مجموعة من المدن والمناطق.
محمد بنعبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، قال إن الوضعية الراهنة التي يعيشها المغرب كانت مُتوقعة، نظرا لأن المغرب يوجد في منطقة جغرافية من بين أكثر المناطق المتأثرة بالتغيرات المناخية، وقد نبّهت إليها تقارير دولية؛ لكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار، على الرغم من أنها كانت بمثابة جرس إنذار.
وأوضح بنعبو، في تصريح، أن المغرب كان يتوفر على مخزون مائي مهم يصل إلى 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية؛ لكن غياب ترشيد استعمالها أدّى إلى فقدان نسبة كبيرة منها على نحو سريع، حيث لا تتعدى نسبة ملء السدود 33 في المائة، كمعدل عام، بينما انخفضت حقينة سدود أخرى بشكل حاد، مثل سد المسيرة الذي لم تعد نسبة ملئه تتعدى 6 في المائة.
وانخفض المخزون المائي في بعض الأحواض نتيجة شحّ التساقطات المطرية إلى مستويات كبيرة، إذ انخفض مخزون حوض ملوية إلى 11.8 في المائة، خلال أواسط شهر يناير الفارط؛ بينما كانت النسبة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية أزيد من 35 في المائة. وفي حوض أم الربيع، لم تتعد النسبة 10.7 في المائة، مقابل 17.6 في المائة السنة الماضية.
وبالرغم من المستوى المنخفض لحقينة السدود، فإنها لا تزال كافية لتوفير مياه الشرب للمواطنين، حسب بنعبو؛ غير أنه نبه إلى أن هناك مدنا قد تعاني من العطش، مثل مكناس وسيدي قاسم والدار البيضاء وأكادير، على الرغم من إحداث محطة لمعالجة مياه البحر بها.
وأفاد الخبير في المناخ بأن المرحلة الحرجة التي يمر بها المغرب على صعيد ندرة التساقطات المطرية تقتضي إجراءات استعجالية لترشيد استغلال الماء، معتبرا أنه “من غير المعقول أن يستمر سقي الفضاءات الخضراء وملء المسابح بالماء الشروب في هذه الظرفية”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن أي سلوك سلبي بسيط إزاء استعمال الماء سيعمّق أزمة ندرة المياه. كما نبه إلى أن البرامج التي وضعتها وزارة التجهيز والماء يغيب عنها البُعد التحسيسي والتوعوي بضرورة ترشيد استعمال الماء.
ويبدو أن الوزارة المذكورة انتبهت إلى هذا الجانب، حيث أعلنت أنها بصدد إطلاق برنامج تحسيسي خاص لاقتصاد الماء وترشيد استعماله، يتضمن بث مجموعة من الوصلات التحسيسية وعقْد اتفاقيات مع عدد من القطاعات الوزارية.
نزار بركة، وزير التجهيز والماء، قال، خلال لقاء تنصيب مسؤولين بالمديرية العامة لهندسة المياه بالرباط، إن ترشيد استعمال الماء يجب أن ينطلق من الإدارة العمومية، مشيرا إلى أن كميات الماء المستهلك داخل مختلف مرافق الإدارة العمومية تمثل نسبة 5 في المائة من الموارد المائية المستهلكة في المغرب.
ومن بين الحلول التي وضعتها الحكومة لضمان الأمن المائي إنشاء مزيد من السدود الكبرى والسدود التلية، حيث تعتزم الانتقال من إنجاز ثمانية سدود تلية إلى أربعين سدا سنويا، بسب الإفادات التي قدمها نزار بركة.
وإذا كان المغرب قد فَقَدَ جزءا كبيرا من موارد المائية السطحية، بفعل قلة التساقطات المطرية، فإنه قدْ فقَد أيضا جزءا كبيرا من الموارد المائية الجوفية، نتيجة الاستغلال المفرط وغير المعقلن لها، حسب بنعبو، مشيرا إلى أن تجليات هذا الاستنزاف تبدو واضحة من خلال جفاف الآبار، والمناطق الرطبة، مثل ضاية عوا التي أضحت منطقة قاحلة بعد اجتفافها.