لم يمنع النقص الحاد في التساقطات المطرية وتراجع حقينة السدود بجهة بني ملال خنيفرة العشرات من الفلاحين، الذين يعولون على السماء ويأملون ألا يجف ضرع الأطلسين وسهل تادلة، من مواصلة مزاولة بعض الأنشطة الفلاحية، إذ انكب كثير منهم على الزراعات البديلة، مثل البصل والفول والجزر والذرة والفاصوليا…
البوهالي مستريح، فلاح من دائرة بني موسى الشرقية بإقليم الفقيه بن صالح، قال في تصريح: “قررت التعاطي لزراعات بديلة رغم تداعيات موسم الجفاف والنقص الحاصل في مياه السدود، على أمل أن تجود السماء غيثا، وأن أكون من بين الذين أسهموا في دعم السوق الداخلية بهذا النوع من الزراعات”.
والبوهالي لا يختلف وضعه عن أوضاع العشرات من الفلاحين الذين تأثروا بموجة الجفاف خلال الموسم الفلاحي الحالي، ومع ذلك بادروا إلى مزاولة أنشطة زراعية مختلفة، عوض أن يجلسوا القرفصاء، وينتظروا ما ستجود به الدولة على الفلاحين من دعم قد لا يسمن ولا يغني من جوع.
في هذا السياق، يحكي الفلاح ذاته، أن منطقة بني موسى وبني عمير المتواجدة بجهة بني ملال خنيفرة “لم يسبق لها أن تأثرت بالجفاف إلى هذا الحد منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ تميز هذا العام بالنقص الحاد في التساقطات المطرية والثلجية، ما أثر بحدة على الفرشة المائية، وتطلب التفكير في بدائل زراعية أقل استنزافا لهذه المادة الحيوية”.
وبلغ العجز المسجل في التساقطات المطرية، بحسب مصادر رسمية، 61 في المائة، كما أن نسبة ملء السدود في المغرب تراجعت لتصل إلى 33.7 في المائة الشهر الجاري، مقارنة مع 46.9% في الفترة نفسها من السنة الماضية، مسجلة تراجعاً بأكثر من 2 مليار متر مكعب، ما سيؤثر على المناطق التي تعتمد على مياه السدود لسقي مزروعاتها.
ونبه البوهالي إلى “استمرار استنزاف المخزون المائي بالمنطقة جراء الضغط على سد بين الويدان، الذي يمد مناطق أخرى بمياه السقي”، مشيرا إلى أن “ما يناهز 60 في المائة من الأراضي الفلاحية لم يتم استغلالها خلال هذا الموسم الفلاحي خوفا من أن تصاب المزروعات بالبوار”.
وفي حديثه كشف المتحدث ذاته أن “هذه الوضعية باتت تثير القلق، ما يستدعي من الجهات المختصة تدخلا معقولا”، مؤكدا أن “تأخر التساقطات المطرية وتراجع المخزون المائي للسدود المخصص لأغراض فلاحية أثّرا بشكل كبير على النشاط الفلاحي، وكبّدا الفلاحين خسائر مادية، ما أدى إلى غلاء أسعار الأعلاف، والخضر، وركود أسواق الماشية”.
ويراهن الفلاح ذاته، جراء هذه العوامل، على سلاسل الإنتاج ذات الأهمية الكبرى في تأمين الأمن الغذائي، داعيا الدولة إلى “تشجيع مقاربة التجميع الفلاحي، باعتبارها من الرافعات الأساسية التي تبناها مخطط المغرب الأخضر”، ومعتبرا زراعة الشمندر السكري “نموذجا يقتدى به في هذا الإطار”.
ويأمل المزارعون، حسب ما أورده الفلاح، وضع سياسة جديدة لدعم الفلاحين، وحماية مربي الماشية بتوفير الأعلاف لماشيتهم بأسعار تناسب قدرتهم الشرائية، وإعفاء الفلاح من الديون أو التقليص منها، لا جدولتها.
وذكر مهتمون بالشأن الفلاحي أن سعر الأسمدة الكيميائية عرف ارتفاعا صاروخيا، إذ تجاوز الضعف مقارنة بالعام الماضي (قنطار واحد من أسمدة 46 بلغ 900 درهم مقابل 350 درهما)؛ ناهيك عن الارتفاع الذي طال باقي الأدوية الفلاحية، الأمر الذي جعل عددا من المزارعين يفكرون في تغيير أنشطتهم الزراعية، ما قد يسهم في المزيد من تأزيم الأوضاع بالسوق الداخلية.
وحسب البوهالي فإن الفلاح في المناطق السقوية طاله الضرر أكثر من نظيره بالمناطق البورية، لأن تكلفة الهكتار الواحد بالمجال السقوي تتراوح سنويا ما بين 20 و30 ألف درهم، في حين لا يكلف الهكتار بالمجال البوري سوى 3000 درهم تقريبا.
ويلتمس الفلاح ذاته من الدولة إعطاء العناية والاهتمام اللازمين للفلاح، وتمكينه من وسائل الإنتاج بسعر تفضيلي، لمواصلة عمله بشكل سلس، وانخراطه في توفير الأمن الغذائي للمواطن المغربي، ومن ثمة الحفاظ أيضا على استقرار المجتمع في ظل التحديات المناخية الراهنة الصعبة.
وفي تصريحات متطابقة، طالب مزارعون بالدعم المادي المباشر على غرار باقي القطاعات الأخرى التي استفادت من دعم كورونا، ملتمسين على مستوى العلف توفير موادّ للكلأ كفيلة في الوقت الراهن بضمان حياة الماشية، وليس تسمينها، في إشارة منهم إلى علف الشعير.
وبحسب معطيات للمديرية الجهوية للفلاحة سيجري توزيع حوالي 740 ألف قنطار من الشعير المدعم هذه السنة لفائدة مربي الماشية بجهة بني ملال-خنيفرة، في إطار المخطط الاستعجالي الجهوي الذي يسعى إلى التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية.
كما سيتم توزيع حوالي 120 ألف قنطار من العلف المركب خلال الشطر الأول على مربي الأبقار الحلوب بجهة بني ملال-خنيفرة، من أجل التخفيف من آثار ارتفاع أسعار علف الماشية وعدم توافره بالشكل المطلوب. وبالمثل سوف سيتم تجهيز 52 نقطة ماء واقتناء 35 صهريجا مجرورا لتوريد الماشية، بالإضافة إلى تكثيف التأطير الصحي للقطيع بالجهة؛ فضلا عن معالجة طوائف وخلايا النحل من مرض تكيس الحضنة.
يشار إلى أن العاهل المغربي محمد السادس كان قد أعطى منتصف فبراير 2022 أوامره بوضع برنامج استثنائي للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية المعنيين، سيكلف غلافاً مالياً إجمالياً يقدر بعشرة مليارات درهم، ستوزع على ثلاثة محاور، وهي: تمويل المديونية، والتأمين، ودعم الأنشطة الفلاحية المتضررة.