قراءة في الإنتاج التشريعي والرقابي لمجلس النواب

ali mestassi
اخبار المغربسياسة
قراءة في الإنتاج التشريعي والرقابي لمجلس النواب

أجمع جل المتابعون على أن الانتخابات التشريعية المغربية لسنة 2021 اشرت على رغبة مجتمعية واضحة في احداث التغيير في تركيبة البرلمان انعكست في وصول وجوه جديده الى مجلس النواب، فهناك أعضاء حديثو العهد بالحياة البرلمانية، ومنهم أيضاً من لم يكن مدرجاً على الخريطة السياسية.

وبدأ البرلمان دورته الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة، في سياق سياسي خاص يتميز بتنظيم الانتخابات التي جاءت كاستحقاق دستوري وجرت في أجواء ديمقراطية وتنافسية وإجراءات دقيقة راعت متطلبات النزاهة والشفافية والحفاظ على سلامة المجتمع خاصه أنها جاءت ضمن سياق الصحي العالمي والوطني الاستثنائي المتميز بانتشار وباء “كوفيد 19” وكذا بتشكل حكومة جديدة ، وأمامها أولويات تشريعية عديدة، بعضها موروث من الحكومة السابقة وبعضها فرضته أزمة وبائية غير مسبوقة، إن لم يكن في عدد ضحاياها فعلى الأقل في تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. كانت الحصيلة دون المأمول، إذ كادت تقتصر، إذا ما استثنينا بعد مشاريع القوانين، بالإضافة إلى قانون الماليّة رقم 76.21 للسنة المالية 2022 في المقابل، أنهت اللجان البرلمانية عملها على عدد من مشاريع القوانين، معظمها أثار جدلاً أو معارضة كانت كافية ليتراجع البرلمان، على الأقل مؤقتا، عن عرضها على تصويت في الجلسة العامّة.

بانتهاء دورة أكتوبر يحق للمواطن أن يتساءل، هل قدم البرلمان أوراق اعتماده لناخبيه؟ أم أنه آثر أن يقدمها للمواطن منحها للسلطة التنفيذية «الحكومة»، مستهدفا بذلك رضا الحكومة وليس رضا المواطنين.

تكشف الأرقام والمعطيات المتعلقة بعمل البرلمان خلال دورة اكتوبر في المقام الأول ضعف أداء المعارضة البرلمانية، فبغض النظر عن عدم تمكنها من تقديم مقترح قانون يعنى بالإشكالات القائمة (وخاصة مواءمة القوانين القديمة بالفلسفة الجديدة للتشريع وكذا قوة اقتراحه فاعلة) فإن المهمة الموكولة للمعارضة خاصة في الأنظمة البرلمانية هو عدم التوقف عند الاحتجاج والاعتراض على القوانين المعروضة للنقاش والتصويت، بل إن المهمة الرئيسية هي اقتراح القوانين واستباق الفرق الممثلة في الأغلبية الحكومية. ومن ناحية أخرى فإن العديد من المقترحات المقدمة في إطار مقترحات قوانين كانت موقعة من قبل نواب الأغلبية والمعارضة معا الأمر الذي يعري عمل الفرق والمجموعات النيابية للمعارضة من أي مقترحات أو تصورات لتصويب عمل الحكومة وفق وجهة نظرها الضاغطة أو المعدلة، لكن ذلك لم يحدث.

أن تأثير الحكومة في مجال التشريع يقارب أو يفوق بنسبة كبيرة عمل البرلمان وقد شغلت مشاريع الحكومة البرلمان أكثر من مقترحات النواب أنفسهم، خاصة وأن أداء المعارضة كان مرتبكا في مواطن عديدة، بالرغم من أن وظيفة البرلمان الأساسية والرئيسية هي التشريع والرقابة التي يسلطها على الحكومة. لكن في هذه الحالة، أصبحت الحكومة تقوم بدور التفكير التشريعي وتسعى من خلال ذلك لتمرير قوانينها. من خلال التفوق الحاصل بين عدد المقترحات ومشاريع القوانين، ظهر البرلمان على أنه غرفة تشريعية ملحقة برئاسة الحكومة وليس سلطة أصلية مستقلة بذاتها، أي السلطة التشريعية.

الإشكال الذي يطرح في هذا السياق هو تأثير طبيعة التحالفات الحزبية على المستوى الحكومي وتأثير ذلك على البرلمان. فالواضح أن السلوك السياسي للنواب لم يتخلص بعد من منطق التفكير الحزبي الضيق، فالتحالف الحكومي الحالي (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال) والذي يستلهم مشروعيته من وثيقة أو ميثاق الأغلبية الذي يعد الاطار المؤسساتي والاخلاقي والسياسي لعمل الاغلبية الحكومية ويطغى بوضوح على الحركة التشريعية البرلمانية وفق أجندة الاحزاب الرئيسية المكونة للأغلبية الحكومية، أي أن الأغلبية في مجلس نواب تسعى لتمرير مشاريع قوانين الحكومة كأولوية بمنطق سياسي وليس بمنطق دستوري، الأمر الذي سينتج قوانين ذات خلفية سياسية أكثر من كونها قوانين تعكس إرادة المواطنين وفق منطق الانتخابات التشريعية المتعارف عليه.

إن دورة أكتوبر، كانت هزيلة من حيث المحتوى بالرغم من حجم المشاريع التي برمجت، وكان أبرزها مشروع قانون المالية السنوي، هذا الأخير الذي قيل انه أفرغ من محتوه، ومرر وسط انتقادات لاذعة من طرف المعارضة، بالإضافة إلى سحب مشروع القانون الجنائي بعد الخلاف الكبير الذي وقع بين الموالاة والحكومة.

ومن بين القوانين التي مررت خلال هذه الدورة، نجد القانون المتعلق بمشروع قانون التصفية رقم 23.21 المتعلق بتنفيذ قانون المالية للسنة المالية 2019، بالإضافة الى حوالي 14 مشروع قانون تم بموجبة المصادقة على اتفاقيات دولية.

وبذلك تكون التجربة البرلمانية الجديدة تستحق التأمل، ومن حيث الأداء المجلس، فقد جاء أداء هزيلاً فمجلس النواب قد قصر في أداء الأدوار التشريعية والرقابية بشكل محتشم بسبب إحجامه عن استخدام أدواته الدستورية المتاحة. فحصاد المجلس التشريعي في هذا الملف كان محدودا واقتصر على معالجة قضايا هامشية لا تتناول العقبات الرئيسية في التشريع، والممارسة التي تحول بين المواطنين المغاربة وممارسة حقهم الدستوري، واقتصر سجله التشريعي في أغلب الأحيان على إقرار تشريعات مقدمة من الحكومة مباشرة دون تعديلات تذكر. وفيما يتعلق بالأدوات الرقابية، فقد كانت خجولة للغاية، حيث عقد مجلس النواب أولى جلساته في 11 أكتوبر 2021 لتقديم رئيس الحكومة للالتزامات الكبرى للبرنامج الحكومي خلال الفترة 2021 – 2026 حيث عقد المجلس جلسات عمومية لنتخاب رئيس المجلس وكذا استكمال تشكيلة وباقي هياكل المجلس، فيما عقد المجلس حوالي 30 جلسة مخصصة للأسئلة الشفهية الأسبوعية بالإضافة لعقد جلستين عموميتين للأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة، وكانت على جدول أعمال المجلس نفس القضايا والملفات المفتوحة دون تغيير يذكر في منهجية العمل والاشتغال.

عبد الغني الباهي

باحث بسلك الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

بكلية الحقوق اكدال الرباط

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.